الشهادات المحلية تساوي الشهادات العالمية في المراجعة الداخلية وقد تفوقها
في إطار جهود جهودنا في بناء مجتمع مهني فاعل يسهم في إثراء المعرفة المالية والمحاسبية، نظم مجتمع قيود لقاءً نوعيًا بعنوان دور المراجعة الداخلية في رفع كفاءة العمل الحكومي، قدمه الأستاذ سعد الهويمل، أحد أبرز الخبراء في مجال المراجعة الداخلية والحوكمة في المملكة، وذلك بحضور عدد من المختصين والمهتمين من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة.
المراجعة الداخلية كركيزة للحوكمة والكفاءة
استهل الأستاذ الهويمل حديثه بتسليط الضوء على الدور الحيوي للمراجعة الداخلية في المؤسسات الحكومية، موضحًا أنها لم تعد تقتصر على اكتشاف الأخطاء أو مراجعة العمليات المالية، بل أصبحت أداة استراتيجية تسهم في تحسين الأداء العام وتفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة.
وأشار إلى أن فعالية المراجعة الداخلية تنعكس مباشرة على جودة القرارات الإدارية، وكفاءة استخدام الموارد، وتقليل المخاطر التشغيلية، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من منظومة الحوكمة المؤسسية التي تسعى الحكومة السعودية إلى ترسيخها في إطار رؤية المملكة 2030.
وأوضح الهويمل أن القطاع الحكومي شهد في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بتطوير إدارات المراجعة الداخلية من خلال اعتماد المعايير الدولية للمراجعة، وإنشاء برامج تأهيلية وتدريبية متخصصة تهدف إلى بناء قدرات المراجعين وتأهيلهم لمواكبة التحول الرقمي والحكومي الذي تشهده المملكة.
برامج وطنية لتأهيل الكفاءات
وتناول اللقاء تجربة إطلاق برنامج المراجعة الداخلية وفق المعايير الدولية الذي تم تصميمه لتطوير الكوادر الوطنية ورفع مستوى الوعي بأهمية الالتزام بالحوكمة. وقد أوضح الهويمل أن البرنامج نجح حتى الآن في تخريج أكثر من 1300 مراجع داخلي متخصص في المجالات التشغيلية والمالية والتقنية، مما يعكس تطورًا ملموسًا في بنية المراجعة الداخلية داخل الأجهزة الحكومية.
كما أشار إلى أن معهد الإدارة العامة، والهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين (سوكبا)، بالإضافة إلى الجامعات السعودية، بدأت بتقديم دبلومات وبرامج ماجستير احترافية في المراجعة الداخلية والحوكمة وإدارة المخاطر (GRC)، وذلك سواءً بالحضور أو عبر التعلم الإلكتروني.
وبيّن أن هذه البرامج تسهم في إعداد جيل من المراجعين يمتلك مهارات تحليلية وتقنية متقدمة، قادرة على التعامل مع البيانات الرقمية والأنظمة الحديثة، بما يواكب توجه المملكة نحو التحول الرقمي في القطاع العام.
تحديات تواجه المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية
تطرق الأستاذ الهويمل كذلك إلى بعض التحديات التي تواجه إدارات المراجعة الداخلية في القطاع الحكومي، وعلى رأسها تكليف المراجعين الداخليين بمهام تنفيذية لا تتوافق مع مهامهم الأساسية.
وأوضح أن مثل هذه الممارسات تتعارض مع المعايير الدولية التي تشدد على ضرورة استقلال المراجعة الداخلية، مؤكدًا أن أداء المراجع يجب أن يكون موضوعيًا ومستقلًا بعيدًا عن التأثيرات التنفيذية.
وأكد أن الحل يكمن في تمكين إدارات المراجعة الداخلية إداريًا وماليًا من خلال استحداث بنود مستقلة في ميزانية كل جهة حكومية، تضمن لهذه الإدارات ممارسة أعمالها بحرية ومسؤولية، دون ارتباط مباشر بالعمليات التنفيذية اليومية.
كما دعا إلى تعزيز ثقافة “الاستقلال المهني” داخل الجهات الحكومية، بحيث يكون للمراجعة الداخلية ارتباط مباشر بالقيادة العليا لضمان نزاهة العمل ودقته.
نحو بيئة مراجعة داخلية أكثر احترافية
وخلال اللقاء، استعرض الهويمل عدداً من المبادرات الناجحة التي ساهمت في الارتقاء بمستوى المراجعة الداخلية في المملكة، منها إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل المالي الذكي في عمليات المراجعة، واعتماد أطر عالمية لإدارة المخاطر مثل GRC، ما جعل المملكة من الدول الرائدة في هذا المجال إقليمياً.
كما أشار إلى أن السوق السعودي يشهد اليوم توافراً واسعاً في الشهادات المهنية والدولية المتخصصة مثل CIA وCRMA وGRC Professional، والتي أصبحت متاحة عبر مراكز تدريب معتمدة داخل المملكة، وهو ما يسهل على المختصين تطوير مهاراتهم والحصول على اعتماد دولي في هذا المجال الحيوي.
ختام اللقاء
اختُتم اللقاء بدعوة الأستاذ سعد الهويمل للمختصين والمهتمين إلى الاستمرار في تطوير مهاراتهم ومعارفهم في المراجعة الداخلية، مؤكدًا أن هذا التخصص لم يعد خيارًا تكميليًا بل أصبح عنصرًا رئيسيًا في بناء مؤسسات فعّالة ومنضبطة ماليًا وإداريًا.
كما شدد على أهمية تكامل الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الأكاديمي والمهني لضمان استدامة التطوير وتحقيق رؤية المملكة في رفع كفاءة العمل الحكومي وتعزيز النزاهة والشفافية.
ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من اللقاءات التي ينظمها مجتمع قيود بهدف نشر المعرفة وتعزيز التواصل المهني بين المختصين في مجالات المحاسبة والمالية والمراجعة، مما يعكس التزام شركة قيود برسالتها في بناء بيئة مهنية سعودية متقدمة ومتكاملة.
