بمجرد صدور قرار تثبيت الإيجارات السكنية والتجارية في الرياض منتصف الشهر الماضي، اتصلت بخبير اقتصادي اعتدت أن أستفيد من آرائه في نشرة قيود، قلت له: لماذا 5 سنوات؟
قال: بحسب رأيي هذا يعود لثلاثة عوامل، الأول أن صانع القرار واثق إنه قادر على ضخ معروض كبير سكني وتجاري خلال هذه الفترة وبالتالي ستنتهي مشكلة الارتفاعات، وهذا يمكن أن نستنجه من توجيه الهيئة الملكية لمدينة الرياض بضخ من 10 آلاف إلى 40 ألف أرض لمدة 5 سنوات، وهذه الأراضي وإن كانت سكنية إلا أنها ستخلق حولها نشاطا تجاريا ومجمعات جديدة.
ثانيا: لإن ما حصل خلال العامين الماضيين كان يفوق المعقول، تعرض قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية إلى ضغط الإيجارات المبالغ فيها، ارتفاعات هائلة تصل لـ 100% حقق على إثرها مستثمرو وملاك العقارات في عام واحد ما يحققه غيرهم في 5 أعوام! ولا يمكن السكوت عن هذه الممارسات التي تضر الفرد والأسرة، وصاحب العمل والموظف بنفس الدرجة.
وأضاف: بلا شك أن مسألة ارتفاع الإيجارات خلال الأعوام الماضية، على خلاف ما يحاول البعض ترويجه بأنها طمع بشري، التجار في كل العالم ليسوا عاطفيين ولا يحكمهم في موضوع الأسعار سوى القاعدة الرئيسية للتجارة، العرض والطلب، لن يخفض أحد الأسعار والطلب مرتفع.
أما ثالث الأسباب فبكل بساطة لإنهم يجب أن يتم تحديد فترة ما، و 5 سنوات فترة متوسطة، ليست قصيرة جدا ولا طويلة جدا.
في “قيود” كان واحد من أكثر المواضيع التي تطرقنا لها في نشرتنا السابقة ارتفاع الإيجارات التجارية خلال السنتين الماضيتين وتأثيره السلبي الذي ظهر على شكل إغلاق لمحلات ناشئة في جميع القطاعات دون استثناء.
كانت نصيحتنا الذهبية التي أخبرنا بها مختصون ومدربون لرواد الأعمال هي تقليص المساحات قدر الإمكان بحيث لا يصبح الإيجار أحد أبرز تكاليف التشغيل، نصيحتهم الذهبية المختصرة كانت “اختيار مساحة مناسبة لحجم المشروع” ولا يزيد عليها حتى مترا واحدا.
ونصحنا الخبراء آنذاك بالتركيز على البيع الإلكتروني، وهو في السعودية واحد من أسهل الخيارات، بل وأكثرها رغبة عند المستهلكين، في الرياض مثلا يفضل الغالبية العظمى تطبيقات التوصيل والشراء الإلكتروني لتجنب الزحام.
قصة من نشرة سابقة
قبل عام فقط، وفي شرق الرياض، وثّقت “قيود” حالة لصاحب صالة عرض للمواد التموينية واللحوم والخضروات اضطر لإغلاق نشاطه بعد ثلاث سنوات من بدء المشروع، بسبب زيادات متتابعة في الإيجار، بدأت بإيجار سنوي قدره 220 ألف ريال، ثم ارتفع إلى 300 ألف ريال في العام التالي، قبل أن يطلب مالك العقار رفعه إلى 500 ألف ريال سنويا، وهذه حالة من آلاف الحالات، وكلي ثقة أن كل من يقرأ هذه القصة لديه قصة مشابهة مع صديق أو قريب.
كانت تلك لحظة قرع الجرس لرفع متزامن للإيجارات في طول العاصمة وعرضها، قال لنا صاحب العمل آنذاك: إذا كان صاحب العقار يتوقع أننا نحقق أرباحا صافية تبلغ 500 ألف ريال فهو واهم جدا، وسيتأكد بأني صادق جدا بأن أترك له الجمل بما حمل.
لدينا أمثلة من ألمانيا حيث توجد عقود إيجار طويلة الأمد (غالبًا 5–10 سنوات) تسمح للأسر بالاستقرار وتقلل من التنقل غير المرغوب فيه. كما أن سنغافورة لجأت إلى سياسات شبيهة، مما ساعد على ضبط السوق وتقليل المضاربات.”
القرار وفقا للمختص يمنع الزيادات المفاجئة التي تؤثر سلبًا على الشركات الصغيرة، ويساهم في الاستقرار الاقتصادي حيث يعرف المستأجر تكلفة المحل لسنوات قادمة، ويخلق ثقة في السوق، لأن الأسعار لا تتحرك فجأة مما يسهل التخطيط المالي.
هل هناك آثار سلبية؟
قال: نعم، حتى الدواء النافع له أثار جانبية لكنها لا تقارن بالمرض نفسه، والتثبيت أقل تأثيرا من خطر الارتفاع الجنوني للأسعار.
أحد التأثيرات السلبية أن هذا التثبيت يقلل من حافز المستثمرين لبناء وحدات جديدة بسبب محدودية العائد المتوقع، حيث وجدت دراسة لجامعة بيركلي على مدينة سان فرانسيسكو والتي تعد واحدة من أكثر الأبحاث تأثيراً في العصر الحديث، أن تثبيت الإيجارات نجح في زيادة استقرار المستأجرين بنسبة تصل إلى 20%. لكن على المدى الطويل، أدى إلى نقص في المعروض من الوحدات الإيجارية 15%.
لكنه استدرك: هذا غير متوقع الحدوث في السعودية لإن الأسعار الحالية ستظل مقبولة بعد 5 سنوات، لقد وصلت الأسعار إلى مستويات نمو كانت محددة كأهداف للسنوات القادمة، ما يعني أن الارتفاعات متضخمة بالفعل، بل سبقت الجدول الزمني.
وأضاف: “الإيجارات هي الهاجس الأكبر بين جميع التكاليف المتغيرة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمواقع التجارية المتميزة.”
المراجعات الأكاديمية الأوسع التي درست تجارب عدة دول من أوروبا لأمريكا وحتى آسيا تُجمع على أن كبح الإيجارات يُحقق بالفعل استقرارًا قصير المدى ويمنع الزيادات المفاجئة، لكنه ربما يضع “سقفا مصطنعاً” على الأسعار، وقد يؤدي إلى سوق مواز حيث يطلب المالك مبالغ إضافية، وقد يخلق فجوة بين العرض والطلب مع مرور الوقت.
تركز أوراق علم الاجتماع الحضري والاقتصاد على أهمية رأس المال المحلي غير الملموس لبقاء المحلات التجارية، وتقويض الولاء للعلامة التجارية والموقع: المحل التجاري يبني مع مرور الوقت ولاء العملاء والسمعة والعلاقات المجتمعية في موقعه الحالي، و عندما يرتفع الإيجار بشكل لا يمكن استيعابه ويضطر المحل إلى تغيير موقعه، فإنه يخسر جزءاً كبيراً من هذا “رأس المال المحلي، كما أن تكاليف نقل العمل التجاري قد تكون أكبر من قدرة المحل الصغير على تحملها، حتى لو كان الموقع الجديد أرخص، هذا يجعل الخروج من السوق خياراً أسهل من الاستمرار في موقع جديد.
صياغة عقد ذكي
“المفتاح ليس دائمًا انتظار تدخل حكومي أو قانوني، بل صياغة عقد ذكي، كثير من المحلات في مدن باهظة مثل لندن أو سنغافورة تتفاوض مع الملاك على عقود طويلة نسبيًا (3 إلى 5 سنوات) مع تحديد آلية واضحة للزيادة متفق عليها كأن تكون نسبة مئوية كل سنة أو أن تكون مرتبطة بمؤشر التضخم بدلا من قرار منفرد من المالك. كذلك تُستخدم حوافز مثل أشهر مجانية عند بداية العقد أو مساهمة المؤجر في تكاليف التشطيب.
وختم كلامه : ليس لأصحاب الأعمال حجة الآن، فخمس سنوات هي مدة مثالية تسمح لأي عمل تجاري بتحقيق نقطة التعادل والبدء في جني الأرباح، كما أنها فترة كافية لتهدئة الارتفاعات السعرية الأخيرة والوصول بالسوق إلى نقطة توازن جديدة.






















